تقديم:
يشهد العالم حالياً ثورة تكنولوجية ضخمة في مختلف المجالات، مما جعل العالم يبدو كقرية كونية افتراضية صغيرة. وقد أسهمت هذه الثورة في تسهيل الوصول إلى التكنولوجيا لجميع فئات المجتمع العمرية. نتيجة لهذا التقدم التكنولوجي الكبير، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي ازدهاراً ملحوظاً، حيث زاد الإقبال عليها بفضل ما تقدمه من وسائل جذب وإثارة للمستخدمين.
وأدى ظهور هذه المواقع إلى ظهور ما يسمى بالمجتمعات الافتراضية، التي تعتمد على استخدام التكنولوجيا ووسائلها. ومن هذا المفهوم ظهرت مفاهيم أخرى مثل المواطنة الرقمية والهوية الرقمية الافتراضية. ونتيجة لذلك، لم تعد هويتنا الثقافية مقتصرة على العالم الحقيقي، بل أصبحت متأثرة أيضًا بالواقع التكنولوجي الحديث، مما دفع إلى التحول في الهوية الثقافية من المفاهيم التقليدية إلى المفاهيم الافتراضية. تعيش المجتمعات العربية بالفعل بين هويتين متداخلتين: الهوية الحقيقية الأصيلة المتجسدة في تراث الوطن واللغة والدين والثقافة والحضارة، والهوية الافتراضية التي تشكلت من خلال الفضاء الإلكتروني ووسائل إعلامه المتعددة.
وتًشير الهوية الافتراضية إلى هوية مرتبطة بأنشطة الفرد وتفاعلاته عبر الإنترنت، في إطار الفضاءات الافتراضية وعناصر التواصل الثقافي الافتراضي، متجاوزة حدود المكان والزمان واللغة والدين والتاريخ. نحن نتحدث هنا عن أنشطة الفرد وتفاعلاته مع الآخرين الذين يتشاركون أيضًا في هوية افتراضية، حيث يتجاوز الفرد حدود الهوية الوطنية والثقافة المحلية واللغة والدين والتاريخ ليصبح جزءًا من الهوية الافتراضية، وأبعاد الهوية الافتراضية. تتشكل الهوية الافتراضية من خلال الهوية الافتراضية. نور العالم الافتراضي الذي يصنعه الفرد لنفسه.
وبطبيعة الحال، لابد أن تتغير وجهات النظر بشأن قضايا الهوية الثقافية بشكل أساسي من المنظور الماضي ويتعين على الأفراد أن يتقنوا مهارات قبول الآخرين والانفتاح على الثقافات المختلفة، والتغلب على الحواجز الجغرافية. ومن خلال التغلب على الحواجز النفسية التي تخلقها رؤية كل مجموعة معينة للعالم، يعرف علماء الأنثروبولوجيا الإنسان على أنه كائن ثقافي، مشيرين إلى أن الهوية الثقافية تلعب الدور الأكبر في تشكيل أفكار الإنسان ورؤاه وتطلعاته، ويؤكدون أنها تؤثر على أفكار الناس ورؤاهم وأفكارهم. طموحات. تفاعلاته داخل منظومته الاجتماعية والثقافية والمنظومات الأخر (الصادق،2021)
الهوية الثقافية والعلاقة بين الهوية والثقافة
تُشير مسألة الهُوية، من الوهلة الأولى، إلى موضوع أوسع يتعلق بالهُوية الاجتماعية، التي تُعتبر إحدى مكوناتها الأساسية. فلا يمكن تناول مفهوم الهُوية دون تحديد أبعادها الاجتماعية. وتُعبر الهُوية الاجتماعية عن "نتيجة التفاعلات المُتبادلة بين الفرد ومحيطه الاجتماعي، سواء القريب أو البعيد. وتتميز الهُوية الاجتماعية للفرد بمجموعة انتماءاته ضمن المنظومة الاجتماعية، مثل الانتماء إلى طبقة معينة أو فئة عمرية أو اجتماعية، أو مفاهيمية، مما يساعد الفرد على التعرف على نفسه في السياق الاجتماعي، ويسمح للمجتمع بالتعرف عليه. (عادل ،2009)
مع ذلك، فإن الهُوية الاجتماعية لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تمتلك كل جماعة هويتها الخاصة التي تحدد تعريفها الاجتماعي، مما يساعد في تحديد موقعها ضمن الكل الاجتماعي. وتُعتبر الهُوية الاجتماعية عملية احتواء وإبعاد في آن واحد؛ فهي تحدد هوية المجموعة (التي تضم أعضاء متشابهين بطرق معينة) ومن هذا المنظور، تبرز الهُوية الثقافية كوسيلة لتحديد الفئات، مما يميز بين "نحن" و "هم"، وهو تمييز يستند إلى الاختلافات الثقافية.
إن الهوية أوسع من اللغة، إذ تتجلى في أشكال أخرى غير اللغة؛ فاللغة تمثل جزءاً من الهوية، لكن الهوية ليست محصورة فيها. ورغم ذلك، فإنهما يمثلان وجهين لعملة واحدة. وقد أثبتت العديد من الدراسات وجود علاقة موثوقة بين اللغة والهوية الذاتية والجماعية، حيث تعتمد هذه العلاقة على الإلمام باللغة الأم والتعلم الشخصي والعلمي. في أي مجتمع، لا تقتصر اللغة على كونها كلمات وألفاظ، بل هي وعاء يحمل مكونات وجدانية ومعتقدات وخصوصيات ذلك المجتمع، مما يفسر سبب اعتزاز كل شعب بلغته.
الهوية هي مجموعة تاريخية واجتماعية تتجلى من خلال تفاعلات الأفراد والمجتمعات. تعكس الهوية ملامح وسلوكيات معينة، وتشتمل على تقاليد شفاهية ومكتوبة، بالإضافة إلى وثائق تعبر عن الخصائص والسمات المشتركة. كما تعكس الهوية الرؤى والمفاهيم والميول الفكرية التي تميز كل مجتمع. والهوية، بمعناها المُجرد تتكون من مجموعة من العلامات والخصائص التي تميز الذات عن الآخر. وعندما تغيب هذه العلامات والخصائص، تختفي الذات وتندمج في الآخر، بينما تتجلى الهوية بوجودها. (الودغيري،2000)
إن الهوية هي الطريقة التي يعرف بها الأفراد أو الجماعات أنفسهم، حيث تلعب اللغة والثقافة والدين أدواراً مهمة في تشكيلها. بطبيعتها، تميل الهوية إلى التعددية والتكامل إذا تم إدارتها بشكل جيد، بينما يمكن أن تؤدي إلى الصراع والانقسام إذا تم تجاهلها أو فهمها بشكل خاطئ. وبالتالي، يمكن أن تكون الهوية عاملًا للتوحيد والتنمية، أو قد تتحول إلى سبب لتفكيك وتمزيق النسيج الاجتماعي الذي غالباً ما يتأسس على اللغة المشتركة. (بلحبيب،2013)
وتُعتبر الثقافة والهوية عنصرين متلازمين لا يمكن فصلهما، حيث تمتلك كل أمة ثقافتها الخاصة التي تعكس هويتها. الثقافة، بمعناها الواسع، تتضمن مجموعة من القيم والمبادئ والأسس التي تميز أمة أو جماعة عن غيرها. وكلما كانت الثقافة فريدة، كلما انعكست هذه الخصوصية على أفرادها. لا تعني الثقافة بأي شكل من الأشكال التخلي عن التراث أو نفيه لصالح أفكار حديثة، كما أنها لا تعني الانغماس في الماضي والهروب من الحاضر وما يحمله من أفكار وثقافات جديدة بحجة أنها وافدة. تعكس ثقافة الشعوب السمات والخصائص التي تميز كل شعب عن الآخر، بناءً على مجموعة من الجذور التاريخية والدينية والأدبية والتربوية والاقتصادية والمعرفية، مما يمنح كل شعب هوية فريدة في السياق الثقافي العالمي.
الثقافة قوة دافعة للتطور الحضاري للأمة في أبعادها المختلفة: الفلسفية والأدبية والسياسية والاجتماعية كما أنها تمثل طاقة للإبداع في مجالات النشاط الإنساني المتنوعة. لكي تكون الثقافة فعالة، يجب أن تسعى لرفع وعي الإنسان، وتنمية روحه، وصقل مواهبه، واستثمار طاقاته في البناء والتطوير، مما يسهم في تحقيق الرقي والتقدم والازدهار. وتشمل الثقافة جميع السمات المميزة للأمة، سواء كانت مادية أو روحية أو فكرية أو فنية أو وجدانية. كما تتضمن جميع المعارف والقيم والالتزامات الأخلاقية المستقرة، وطرائق التفكير والإبداع الجمالي والفني والمعرفي والتقني، وسبل السلوك والتعبير، وأنماط الحياة. بالإضافة إلى ذلك، تشمل تطلعات الإنسان نحو المثل العليا ومحاولاته لإعادة تقييم إنجازاته، والبحث المستمر عن معاني جديدة لحياته وقيمه ومستقبله، وإبداع كل ما يتفوق به على ذاته. وتتأثر الهوية بالظروف الاجتماعية والطبيعية، وتواجه تحديات تتعلق بالفقر والغنى، الحب والكره، القوة والضعف، والحق والباطل. كما تتشكل الهوية من خلال تفاعل الأفراد داخل المجتمع، سواء في ظل الديمقراطية أو الديكتاتورية، حيث يعتمد ذلك على العدالة والظلم.( صالح،2017)
وتتضمن الهوية مفهوم الاستقلالية والخصوصية، حيث تؤكد على أهمية الآخر في تشكيل الذات. وتعزز الهوية من خلال الدفاع عن القيم والمبادئ التي يعتز بها الفرد، مما يساعده على مواجهة التحديات. وتتفاعل الهوية الثقافية مع العلاقات الاجتماعية، حيث تلعب الثقافة دوراً أساسياً في الربط بين الأفراد. وتؤثر هذه العلاقات على الاتجاهات والقيم، مما يُعزز من قوة الروابط الاجتماعية. (مرسي،2013)
وتتكون الهوية الثقافية من مجموعة من العوامل النفسية والعقلية، وهي ليست ثابتة بل تتطور عبر الزمن. تتأثر الهوية بالبيئة الاجتماعية والتاريخية، وتظهر من خلال تفاعلات الأفراد والمجتمعات. في النهاية، تعكس الهوية تمايز الأفراد وتفردهم، مما يجعلها عنصراً أساسياً في فهم الذات والوجود. يتماثل أعضاء الجماعة في ملامح ثابتة، حيث تسعى الجماعة إلى إظهار هويتها رغم اختلاف مشارب أعضائها. على الرغم من مواقفهم المتباينة، فإن هذه الاختلافات تعمق من رغباتهم واهتماماتهم المتنوعة. يكشف الأفراد عن صراعاتهم من خلال عدة أشكال، مما يعكس الهوية الثقافية التي قد تتشابه أو تختلف.
وتتميز الجماعات بسمات تاريخية وتجارب مشتركة، مما يعزز من وحدتها. كلما زادت المتماثلات بين الأفراد زادت الهوية المشتركة، سواء كانت في المواقف أو القيم. ويمكن أن يتعرض التماثل إلى تحديات، ولكن الرموز الثقافية تُعبر عن الهوية وتظهر من خلال الفنون والشعر والموسيقى.
وتحدد الهوية الثقافية العناصر التي تشكل جوهرها، وتبتعد عن الأسئلة المتعلقة بالماضي، حيث تتفاعل مع تطلعات الأفراد وآمالهم. الهوية الثقافية هي كيان حي يتطور باستمرار، وتعكس التراث الذي ينتمي إليه الأفراد. وتتكون الهوية الثقافية من عناصر متعددة، مثل اللغة والعادات والتقاليد، وهي تعكس مشاعر الأفراد وتصوراتهم. يجب أن نفهم أن الهوية الثقافية ليست ثابتة، بل تتفاعل مع المُجتمعات الأخرى، مما يعزز من فهمنا للعالم من حولنا. (مرسي،2013)
وتتأثر الهوية الثقافية بالتغيرات الاجتماعية والتاريخية، وتظل مرتبطة باللغة كعنصر أساسي. كما أن الثقافة تعبر عن وجود الأفراد في المجتمع، حيث تلعب اللغة دورًا محوريًا في تشكيل الهوية والتواصل بين الأفراد في النهاية، الهوية الثقافية تحدد من خلال الرموز والتقاليد، وهي تعكس تجارب الأفراد وتاريخهم، مما يجعلها عنصرًا أساسيًا في فهم الذات والمُجتمع.
اما ارتباط اللغة بالهوية تتجاوز اللغة في ارتباطها بالهوية معناها اللغوي والتقني البسيط، لتصبح رمزاً يعبر عن المجتمع الذي تنتمي إليه، وأداة للتفاعل، وطريقة تفكير وتعبير لأفراده. كما أنها تمثل قضية اجتماعية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بهوية الدولة وشخصية مواطنيها، وتعمل كعامل مؤثر في تعزيز الانتماء والترابط والولاء بينهم. (زاهر،2017)
جدلية العلاقة بين الهوية والثقافة
تعكس هذه العلاقة تفاعل الذات مع الإنتاج الثقافي، حيث لا يمكن أن يحدث أي إنتاج ثقافي دون وجود ذات مفكرة. لا نحتاج إلى الدخول في جدل حول أسبقية الذات أو الموضوع، فكل ما يدور في الذهن هو نتيجة ما تستقبله الحواس وتدونه على صفحة الذهن، كما أشار جون لوك والاتجاه التجريبي بشكل عام.
وتلعب الذات المفكرة دوراً محورياً في إنتاج الثقافة، وتحديد نوعها وأهدافها وهويتها في كل مجتمع وفي كل عصر. وبناءً على ذلك، يصعب العثور على تعريف شامل لمفهوم الهوية الثقافية، إذ تختلف هذه الهوية من مجتمع لآخر ومن عصر لآخر، كما تتأثر بالتوجهات الفكرية والأيديولوجية لمنتجي الثقافة. (عادل ،2009)
تتعلق العلاقة بين الهوية والثقافة بارتباط الذات بالإنتاج الثقافي، حيث لا يمكن أن يحدث أي إنتاج ثقافي دون وجود ذات مفكرة. دون الدخول في الجدل حول أسبقية الذات على الموضوع، كما يطرح الاتجاه العقلاني المثالي، أو العكس حيث يعتبر أن الموضوع يسبق الذات، فإن كل ما يوجد في الذهن هو نتيجة ما تلتقطه الحواس وتدونه على "صفحة" ذهن الإنسان، كما يشير إلى ذلك لوك والاتجاه التجريبي بشكل عام.
الهوية الثقافية تمثل مجموعة من السمات والخصائص التي تميز الشخصية العربية، مما يجعلها فريدة مقارنة بالهويات الثقافية الأخرى. تشمل هذه الخصائص اللغة والدين والتاريخ والتراث والعادات والتقاليد والأعراف بالإضافة إلى مكونات ثقافية متنوعة. ويُعرّف البعض الهوية الثقافية والحضارية لأي أمة بأنها مجموعة السمات الجوهرية والثابتة التي تميز حضارتها عن غيرها، مما يمنح الشخصية الوطنية أو القومية طابعاً خاصًا يميزها عن الشخصيات الوطنية والقومية الأخرى. (سليمان ،2012)
توجد علاقة وثيقة بين تصورنا للثقافة وتصورنا للهوية الثقافية. فالأشخاص الذين يرون أن الثقافة هي طبيعة ثانية نتقبلها كإرث لا يمكن الهروب منه، يعتبرون الهوية كمعطى يحدد الفرد بشكل نهائي وبطريقة تكاد تكون غير قابلة للتغيير. من هذا المنظور، تُعتبر الهوية الثقافية مجموعة من الانتماءات الأصلية للفرد، حيث يُعتبر الأصل والجذور، وفقًا للصورة التقليدية، أساس كل هوية ثقافية، أي ما يُعرف الفرد بشكل أكيد وأصيل هذا التصور شبه الوراثي للهوية، الذي يلعب دوراً في تعزيز أيديولوجيات التجذير، يؤدي إلى تطبيع الانتماء الثقافي. بمعنى آخر، تكون الهوية سابقة على الفرد، الذي ليس أمامه سوى الانخراط فيها، وإلا فإنه سيواجه مصير التهميش. الهوية المتصورة بهذه الطريقة تبدو كجوهر ثابت لا يحتمل التطور، وليس للفرد أو المجموعة أي سيطرة عليها. (ابراهيمي،2018)
ويمكن أن تؤدي إشكالية الأصل، عند تطبيقها على الهوية الثقافية، إلى تعريف الأفراد والجماعات، حيث تُعتبر الهوية في بعض الأطروحات المتطرفة مرسومة عملياً في الإرث الجيني. هناك أيضاً نظريات أخرى في الهوية الثقافية تُعتبر أولية، حيث ترى أن الهوية الإثنية الثقافية هي الأساس، وأن الانتماء إلى مجموعة إثنية هو الأول والأكثر أهمية بين جميع الانتماءات.
وتوجد علاقة وثيقة بين اللغة والثقافة، حيث لا يمكن تصور أي لغة، مهما كانت، دون أن تنتج ثقافة معينة وبالمثل، لا يمكن تصور ثقافة لا تعتمد على لغة تعبر عنها وتفاعل معها. إنهما دائرتان متداخلتان لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى. نحن هنا لا نهدف إلى تقديم تعريفات للثقافة أو توجيهاتها، بل نرغب في التأكيد على نقطة مهمة: إذا كانت اللغة تعبر عن الفكر الذي يتفاعل مع الأشياء ويأخذ مواقف محددة تجاهها، فإن الثقافة تمثل أيضاً تلك العناصر المعقدة وغير الملموسة التي تحدد طرق التعامل مع هذه الأشياء وتؤثر على ردود الفعل تجاهها. وبالتالي، يمكن اعتبارهما وجهين لعملة واحدة، حيث قد تكون الثقافة أوسع نطاقًا، لكن اللغة تظل عنصرًا أساسيًا في تشكيلها وتوجيه مسارها. في الوقت نفسه، تلعب الثقافة دوراً حيوياً في التأثير على اللغة باعتبارها تعبيراً عن الفكر. ومن المهم أن نلاحظ أن اللغة والثقافة ليستا ناتجتيْن فرديتيْن، بل هما جزء من الديناميكية الاجتماعية التي تعيشان فيها. ومن هنا تأتي الحاجة إلى التمييز بينهما، وبين العلم و"الثقافة هي نظرية في السلوك أكثر من كونها نظرية في المعرفة، مما يبرز الفرق الضروري بين الثقافة والعلم". (بن نبي،1986)
تلعب الذات المفكرة دوراً حيوياً في إنتاج الثقافة وتحديد نوعها وأهدافها وهويتها في كل مجتمع وفي كل عصر. ومن هنا، يصعب إيجاد تعريف شامل ودقيق لمفهوم الهوية الثقافية، إذ تختلف هذه الهوية باختلاف التوجهات الفكرية والأيديولوجية للأفراد الذين يستخدمون الثقافة. (ابراهيمي، 2018)
ومن هنا الثقافة والهوية هي احدى الطرق التي تعتبر للتعرف على هوية الأشخاص في المجتمع، وهي الانتباه إلى ثقافة ذلك المجتمع، فالعلاقة بين الثقافة والهوية هي علاقة وثيقة ويمكن الاستشهاد بها، الا ان هذان المفهومين يختلفان عن بعضهما البعض، ولكل منهم وظيفة الخاصة. ومع ان مفاهيم الهوية والثقافة مترابطة مع بعضهما البعض، الا انه لا يمكن استخدامهما بسهولة، حيث يمكن ان تتكون الثقافة دون وعي بالهوية بينما يمكن لإستراتيجيات الهوية ان تتلاعب، بل وتغير ثقافة ليس لها أي شي مشترك من ماضيها، فالثقافة لها علاقة بعمليات اللاوعي أكثر من غيرها، وعلى العكس فان الهوية ترتبط بمعيار الانتماء الذي يكون بالضرورة واعياً بذاته، لأنه يعتمد على تناقضات رمزية. (زاده، وميري،2022)
الهوية الثقافية والتحديات المعاصرة
تكرر محاولات عديدة في سياقات الصدام الفكري والثقافي، مما يؤدي إلى تشويه الآخر وإلحاق الأذى بالثوابت الثقافية والأخلاقية التي يعتمد عليها في إدارة شؤونه. ويشير الاستلاب الفكري إلى تشويه الفكر الذي يمثل هوية فكرية لمجموعة أو مجتمع. أما أسباب حدوث الاستلاب الفكري، فهي تهدف إلى إضعاف الفكر وجعله غير قادر على مواجهة الفكر الآخر، مما يسهل محو دوره وخصوصيته واستبداله بفكر دخيل. (عبد الحسين،2018)
ويعتقد بعض المفكرين أن الاستلاب هو وقوع الكائن العاقل، الذي يمتلك حيزاً من التفكير العادي، في أسر فكرة أو قدرة أكثر تأثيراً، بحيث تصبح هذه القدرة المحور الذي تدور حوله جميع المسميات الأخرى، ويأتي الاستلاب في أشكال متعددة، منها الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، حيث يمكن أن يكون الاستلاب الفكري هو القناة التي تمر من خلالها جميع أنواع الاستلاب الأخرى، كما أن الاستلاب العقلي يقود بالضرورة إلى الاستلاب الفكري والثقافي، مما يفرض نهجه على سلوكيات وطبائع الذات المستلبة على جميع المستويات.
لا شك أن التفكير الخاص يمثل أهمية كبيرة للإنسان، إذ أن فقدان الهوية الفكرية الذاتية يعني ببساطة فقدان الإنسان نفسه، ومن شروط وجود الكائن العقلاني هو التفكير، بينما الاستلاب يمنع التفكير الموضوعي والعقلاني، وهنا يظهر الاستلاب بأبشع صوره، مما يؤثر على الأفراد لدرجة أنهم يفقدون القدرة على الاحتفاظ بأفكارهم الخاصة.
لقد شهدت الرحلة البشرية الطويلة عبر العصور أشكالًا متعددة من الاستلاب الفكري، التي أثرت بشكل كبير على مسارات المجتمعات. عندما يفتقر مجتمع ما إلى الفكر الذاتي، فإن شخصيته الفكرية تتعرض للتصفير مما يجعله مستلباً بشكل واضح. والشعور بالدونية تجاه الفكر الأقوى يعد من أخطر الأسباب التي تدفع العقل الجمعي إلى الاستسلام، حيث يؤدي هذا الشعور إلى استسلام كامل للآخر، مما يضعف الهوية الفكرية الخاصة ويجعلها في حالة من الضمور والعجز عن مواجهة الفكر الدخيل، وإذا تحول هذا الشعور إلى نمط جماعي، فإن العقل الجمعي يصبح مشلولاً تماماً، مما يؤدي إلى اندثار أسباب المواجهة. (عبد الحسين،2018)
وتُعد اللغة الأساس الذي يقوم عليه خيال الأمة، ومن هنا تأتي أهمية اللغة المعيارية وضوابط التأويل في الخطاب. وبالتالي، فإن المنظومة اللغوية تُعتبر بمثابة بيت الكائن البشري، حيث تنظم شؤونه وتخزن رموزه وثرواته، وتؤويه وتحفظ أسراره. ومن خلالها، يدرك الإنسان العالم من حوله. ولا شك أن هناك صلة وثيقة بين الهوية واللغة، رغم الجدل حول كيفية تبادل التأثير بينهما. فالمشكلة لا تكمن في ارتباط الهوية باللغة بحد ذاتها، بل في التعامل مع هذا الارتباط كأنه طريق ذو اتجاه واحد، وخصص بعض العلماء اهتمامهم لدراسة كيفية تشكيل اللغات الوطنية للهويات الوطنية، دون أن يلتفتوا إلى كيفية تشكيل الهويات القومية. (فياض ،2023)
لذا، لا توجد لغة محايدة، فكل لغة تحمل قيماً وروحاً، وهي وسيلتنا لفهم العالم وتمثيله في أذهاننا وللتواصل مع الآخرين. ومع تنوع اللغات، تتعدد تمثيلاتنا للوجود، وتنظم اللغة حياة الأفراد والجماعات وتشكل عاداتهم فنحن نرى ونسمع ونعبر بالطريقة التي نراها ونسمعها، لأن عادات الجماعات اللغوية قد هيأت لنا خيارات معينة في التفسير، وهذه العادات تختلف من جماعة لأخرى، ولا توجد أمة تتحدث إلا بالطريقة التي تفكر بها وتفكر بالطريقة التي تتحدث بها، مما يرسخ تجاربها في لغتها، بما في ذلك التجارب الحقيقية والخاطئة التي تنتقل إلى الأجيال اللاحقة.
تساهم اللغة في استمرار المتخيل الجماعي، حيث تُصاغ المؤسسات قبل أن تُترجم إلى سلوكيات، وينتقل المعيش اليومي إما شفهياً أو كتابياً، أو يُتناول كموضوع للتأمل. وفي التنشئة الاجتماعية للطفل، تُنقل الظواهر الثقافية من خلال الأشكال اللغوية المعتمدة من قبل الجماعة. وهكذا، تكيف اللغة المواقف وتعد الأفراد والجماعات مسبقًا للفعل ورد الفعل، وللتفكير بطريقة معينة. وتنتقل اللغة الأفراد من جماعة بشرية إلى مجموعة ثقافية، مما يعني أن الرابطة اللغوية أقوى من الرابطة السياسية. فالجماعة البشرية إذا ترابطت سياسياً، قد تشكل مجموعة وطنية، لكن ذلك لا يضمن التجانس الثقافي بين أفرادها بمجرد انضمامهم تحت رابطة سياسية واحدة التاريخ، سواء القديم أو الحديث، مليء بالشواهد على ذلك، حيث تفتت كيانات سياسية كانت تُعتقد أنها متماسكة، كما حدث في يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفيتي. في المقابل، يُظهر توحد ألمانيا بعد سقوط جدار برلين أن الثقافة واللغة المشتركة والتراث الفكري الواحد أقوى من السياسة والاقتصاد والإيديولوجيا. (فياض،2023)
الهوية الثقافية وتحدياتها
إن الانفصال المعرفي عن الموروث الثقافي الذي ورثه لنا أجدادنا بحجة التزامن والحداثة لا جدوى منه ولا يمثل الطريق الصحيح للمعرفة التي يولدها العقل البشري. كما أنها لا تساعد في إنتاج ثقافة تتغير مع الزمن وتميز هذا المجتمع عن المجتمعات الأخرى. ومن ناحية أخرى، فإن الاعتماد فقط على التراث والمعرفة التي تركها أجدادنا لا يمكن أن يسمح لهذا المجتمع بالتفاعل مع الحاضر بما يتوافق مع الثقافة والإبداع والأفكار التي أنتجها العصر. لذلك فإن تجديد التراث الثقافي هو أحد أولويات التحديات التي يواجهها مجتمعنا العربي فمن خلال قراءة تراثنا بعقلانية نشعر بالارتباط بالماضي، مما يسمح لنا بتشكيل حداثتنا الخاصة، ويتيح لنا المشاركة الفعالة في عملية التحديث العالمية وليس. مجرد متلقين. فالحداثة ليست غاية في حد ذاتها، بل تمثل رسالة ثقافية ورغبة في التحديث، سواء على مستوى العقلية أو على المستوى الروحي والعاطفي.(الجابري،1991)
لقد طرحت جدلية الأنا والآخر، والبحث عن الهوية الثقافية، والصراع بين الأصالة والمعاصرة عندما أدرك العرب أهمية البحث عن هويتهم الثقافية لتمييز أنفسهم عن الآخرين. وكأن الهوية الثقافية لمجتمعنا أو تمييزنا كعرب مقارنة بالأمم الأخرى تعني أن نكون أسرى الماضي، وأن يتحكم فينا الفكر الماضوي. ربما يكون ميراث القهر الذي خلفه المستعمر هو ما جعل هذه الثنائيات تتجاذب المفكرين العرب، مما أدى إلى صراع حقيقي بين تيارين: الأول يرى الآخر عدواً يجب الحذر منه، ويعتمد على تراثنا وماضينا القوي، بينما الثاني ينظر إلى الآخر الغربي بنظرة إعجاب، مفضلاً ثقافته وطرائق معيشته على ثقافة الشعوب المحلية. وهنا تطرح جدلية الأنا والآخر، والصراع بين الثقافة العربية والثقافة الغربية. (صالح،2017)
وتطرح هذه الجدلية أسئلة جوهرية، فهناك من يحكمه الوعي الماضوي، ويدعو إلى انبعاث الأصوليات الدينية والعرقية التي تتبنى تصورات نكوصية للهوية، بينما هناك رؤية مغايرة ترى أن النهوض بالمجتمع يتطلب التوجه نحو ثقافة الحداثة، والتنكر للتراث وما يمثله من تاريخ عميق لهذه الأمة. في المقابل، يرى تيار الدعوة إلى الحداثة وإنكار التراث أن الهوية ليست سوى مجموعة من الإسقاطات الوهمية التي يضفيها الفرد على نفسه، مما يعطي الأولوية في انتماء الفرد للعام العالمي على الخاص المحلي. هذه الفرضية تنبع من أفكار العولمة وفلسفة ما بعد الحداثة. لذا، فإن خطاب الهوية هو وليد ما يُسمى بالحقوق الثقافية، التي تستند إلى مرجعيات الحداثة والثقافة الديمقراطية والمواثيق الدولية المعاصرة.
ويشهد العالم اليوم تغيرات سريعة في مجالات متعددة، سواء كانت مادية أو معرفية أو فنية. ومن أبرز التحديات التي تواجه الفكر العربي المعاصر في جميع مجالاته، هي كيفية نقد الأنظمة الغربية ودراسة التراث العربي، بهدف تحديد ملامح المستقبل وإعادة بناء الهوية التاريخية العربية. يتطلب ذلك اعتماد العقلانية العلمية والإبداع، حيث إن السيطرة على المصير وصناعة المستقبل أصبحت ضرورة ملحة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه الوطن العربي من العالم الصناعي الذي دخل عصر ما بعد التكنولوجيا. وهذا التطور لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة جهود متواصلة لتطوير العقل وتنمية قدراته، وصولًا إلى منهجية تحليلية جدلية للواقع. لم تقتصر المعركة على الأبعاد المادية، بل شملت أيضًا الأبعاد الإنسانية من خلال تطور العلوم الإنسانية التي سعت لاكتشاف قوانين حركة المجتمع وأسرار الطاقة. (الدجاني،1983)
الهوية الثقافية في العالم الافتراضي
تختلف معايير الوجود الافتراضي للفرد ككائن فاعل في المجتمع الشبكي عن الواقع المادي، حيث تتجلى اجتماعية الفرد في الحياة الواقعية من خلال وجوده الفعلي كعنصر حاضر جسديًا، وكائن فاعل ومتفاعل يتمتع بوجود مستقل ومتميز عن الآخرين. يبني الفرد اجتماعيته استنادًا إلى منظومة قيمية ومجتمعية متكاملة تضمن استقراره الاجتماعي ضمن نظام حضاري واجتماعي يوجه سلوكه ويحدد الضوابط والمعايير التي تحافظ على إنسانيته وهدفه في الوجود. ومع ظهور المجتمع الافتراضي، أصبح وجود الفاعل في هذا الفضاء الجديد يتخذ أشكالًا جديدة تتماشى مع خصائص البيئة الرقمية، التي تتميز بانفتاحها على معانٍ ثقافية غير محدودة، فضلاً عن قدرتها على دمج جميع وسائل الاتصال التقليدية (مثل التلفاز، الراديو، الصحف الهاتف، الرسائل، الكتب، والملفات) في منصة واحدة (مثل الحاسوب والأجهزة اللوحية المتصلة بالإنترنت) وبهذا، تتجمع الكلمة والصورة والصوت في آن واحد، وتتغير وظيفة هذه الوسائل من مجرد أدوات للتواصل ونقل المعلومات إلى كونها عارضًا وخازنًا، بل وناقلًا للقيم الروحية والإنسانية والحضارية، مما يجعلها جزءًا أساسيًا من نمط حياة الإنسان المعاصر، وتساهم في تشكيل ثقافته الإنسانية.
لقد انتقلت الظاهرة الاجتماعية بمختلف جوانب تمثلاتها الثقافية، التقنية، السلوكية، الاقتصادية، السياسية والقانونية، من كونها تتمثل فقط بشكل طبيعي في المجتمع البشري التقليدي، إلى أن تتمثل أيضًا بشكل صناعي ورمزي ورقمي وآلي، مع الاحتفاظ بجوانب تمثيلها الأصلية. ومع ذلك، أصبحت في شكلها الإلكتروني المصنع من الذرة إلى الإلكترون، حيث إن الحياة الاجتماعية في هذا السياق الجديد هي حياة رقمية على الإنترنت في الفضاء المصنع، مما يفرض على علم الاجتماع أن يتوسع ليشمل دراسة المجتمع البشري الإلكتروني. (رحومة، 2008).
ويُعتبر المجتمع الشبكي من المفاهيم الرائدة التي أسسها عالم الاجتماع المعاصر " كاستيلز" Castells,1996)) الذي وضع نظرية الشبكة التي تفسر قوانين عمل المجتمع المعلوماتي العالمي وملامحه الأساسية ناقش فيه الملامح الأساسية للمجتمع الشبكي من زوايا سياسية واقتصادية واتصالية، كما تناول أنواع الهويات المتداولة في هذا المجتمع، والتي تعكس كينونتها في مواجهة العولمة. وتُعتبر مقاربته السوسيولوجية من أهم المقاربات التي تفسر مجتمع المعلومات القائم على التكنولوجيا، والذي يتميز بخصائص عدة. (عماد، 2012)
ولا شك أن تحديات التداول الافتراضي في المجتمع الشبكي الذي يتميز بسياق ثقافي عالمي تتطلب تحديد مفهوم المواطن الافتراضي، بالإضافة إلى طرح تساؤلات حقيقية حول دلالات الانتماء. فوجود الإنسان في الفضاء الافتراضي يجبره على التنقل بين ثقافات متعددة وزيارة أوطان مختلفة، متجاوزاً الحدود الجغرافية والزمنية. وبالتالي، يعيش الفرد جزءاً مهمًا من حياته اليومية في حالة تنقل دائم بين عالمين: أحدهما افتراضي يمتد ليتيح له متابعة المستجدات العالمية، مما يعزز وجوده الافتراضي ويمنحه مواطنة عالمية، والآخر حقيقي يعيد ربطه بواقعه المحلي ووطنه الأم. وهذا بفضل البدائل التي يوفرها المجتمع الافتراضي لمستخدميه، والتي تسهم في تشكيل هويته الافتراضية.
لقد تمكن الإنترنت من دمج العالم في كيان واحد من خلال التفاعلات على الشبكة، والثقافة الرقمية والمجتمعات الافتراضية، والمنتديات، والتعلم الاجتماعي، وغيرها من العناصر المشتركة التي جعلت الفرد ينتمي إلى العالمية ويصبح عضوًا فاعلاً في المجتمع العالمي مع أصدقائه من مختلف أنحاء العالم، حيث يجمعهم العديد من القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والعاطفية. وهذا يسهم في إدماج الفرد في نطاقه العالمي والكوني. (منصوري، 2014)
العالم الافتراضي والهوية الثقافية
إن أولويات تأسيس القيم الأخلاقية في تشكيل الهوية الرقمية تتطلب من المستخدم الاستفادة من هامش الحرية المتاح له في المجتمع الافتراضي، مع تحمل مسؤوليته الأخلاقية تجاه التفاعلات الرقمية في الفضاء العام، ليتمكن من ممارسة اهتماماته المشتركة ومشاركتها مع الآخرين، مع التركيز على التعبير عن ثقافته وهويته الحضارية، والعمل على خدمة مجاله العام بشكل هادف، ليس كمراقب فحسب، بل كممارس أيضاً. فقد أثبتت التحولات التي شهدتها المجتمعات العالمية أن تصاعد الحركات الاجتماعية يعكس فعالية الفضاء العام الافتراضي، ولكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات حول التحديات التي تواجه الهويات الوطنية، خاصة مع تصاعد النقاش حول الهوية والكونية والذات، مما قد يسحب المواطن الافتراضي إلى نطاقات عالمية مزيفة، ويؤدي إلى فقدان صلته بمواطنته الحقيقية.
أن "جيل الإنترنت" يظهر كجيل ثنائي الهوية؛ فهو من جهة هش وغير ناضج، ويحتاج دائماً إلى التوجيه في عالم التكنولوجيا الحديثة لبناء علاقة "سوية" معها، ومن جهة أخرى، هو جيل فضولي ومستقل وذكي، يمتلك القدرة على التكيف ويميل إلى تعزيز ذاته، بالإضافة إلى كونه صاحب رؤية شاملة في توجيه نفسه. (رابح، 2012)
تعتبر هذه النتيجة حتمية، خاصة إذا علمنا أن حدود الهوية الرقمية في العالم الافتراضي غير واضحة، إذ لا تحدها حدود جغرافية أو قيمية، فهي فضاء مفتوح وغير محدود لمواطنين كونيين من مختلف الأعراق والخلفيات الثقافية. وبالتالي، تتدرج هوية كل فرد من هويته الوطنية إلى أبعاد عالمية. وان التحديات التي جلبتها التكنولوجيا العولمية بفعل تأثيرات تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وان البعد القيمي والحضاري للمضمون الذي تحمله الرسالة الإعلامية، والذي غالباً ما تجاهلته الدراسات الاجتماعية الغربية. (بوعلي، 2009).
فالمضمون المتداول رقمياً يحمل قيماً، خاصة أن التأثير في سياق المجتمع الشبكي يتسم بالطابع الانفعالي خصوصاً في بيئة رقمية تعزز تحقيق التأثير المطلوب. وليس الأمر مقتصرًا على ذلك، بل إن منطق الفعل ورد الفعل في ظل الشبكات الاجتماعية يتغير باستمرار، حيث تحكمه متطلبات التواصل الافتراضي، سواء كان متزامنًا أو غير متزامن، مما قد يتطلب ردودًا فورية أو متقطعة، مما يؤثر على منطق التواصل الإنساني.
أن نطاق العلاقات الاجتماعية بين المستخدمين وحدودها قد تغيرت، وأصبح الحيز الشخصي والمهني والاجتماعي متداخلًا إلى حد كبير، مما يستدعي الحديث عن تمظهرات الهوية الافتراضية في سياقات مفتوحة، قد تؤدي إلى تلاشي العديد من الحواجز الشخصية التي قد تهدد خصوصية العلاقات الإنسانية خاصة إذا لم يلتزم أطراف التواصل بالتحكم في عملية برمجة حساباتهم الشخصية وفق معايير تقنية محددة.
المصادر
ابراهيمي، أسماء (2018) العلاقة بين الثقافة والهوية، مجلة العلوم الإنسانية، السنة (14)، العدد (7) جامعة محمد بوضياف، المسيلة-الجزائر.
بلحبيب، شيد (2013) الهويات اللغوية في المغرب من التعايش إلى التصادم، ضمن كتاب اللغة والهوية في الوطن العربي، إشكاليات تاريخية وثقافية وسياسية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، بيروت -لبنان :247- 248.
بن نبي، مالك (1986) شروط النهضة"، ترجمة عبد الصبور شاهين، وعمر كامل مسقاوي، دار الفكر دمشق: 82.
بوعلي، نصير (2009). قراءات في نظرية الحتمية القيمية في الإعلام. قسنطينة، الجزائر.
الجابري، محمد عابد (1991) التراث والحداثة، دراسات ومناقشات ـ مركز دراسات الوحدة العربية ـ المغرب:20.
الدجاني، أحمد صدقي (1983) ـرؤى مستقبلية عربية، دار المستقبل العربي، القاهرة -مصر:121.
رابح، الصادق (2012) الهوية الرقمية للشباب: بين التمثلات الاجتماعية، والتمثل الذاتي، مجلة إضافات العدد (19)
رحومة، محمد الصادق (2008) علم الاجتماع الآلي: مقاربة في علم الاجتماع العربي والاتصال عبر الحاسوب. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة (347)
زاده، عبد الهادي صالحي، وميري، سيد محمد (2022) اطلالة على العلاقة بين الهوية والثقافية مع التركيز على الهوية الدينية، مجلة أداب الكوفة، الجزء (2)، العدد (52)، الكوفة -العراق:125.
زاهر، ضياء الدين (2017) اللغة ومستقبل الهوية: التعليم نموذجاً، مكتبة الإسكندرية، وحدة الدراسات المستقبلية، الإسكندرية – مصر:30.
سليمان، حمدي (2012) الثقافة والهوية، روقة عمل قدمت لمؤتمر الثقافة والهوية، ضمن فعاليات مؤتمر أدباء مصر في دورته الثامنة والثلاثين، كتاب الأبحاث :77.
الصادق، ريم (2021) التنوع الثقافي والهوية، بحث منشور على الرابط: https://www.aljazeera.net/blogs/2021/11/15 .
صالح، هويدا (2017) الهوية الثقافية العربية بين جدلية الأنا والآخر، بحث منشور على مؤمنون بلا حدود: على الرابط: https://www.mominoun.com/.
عادل، شهيب (2009) الثقافـة والهُوية – إشكالية المفاهيم والعلاقة، الملتقى الثاني حول مُجتمع المُخاطرة جامعة جيجل، الجزائر.
عبد الحسين، عبد الرزاق (2018) استلاب الهوية ومسخها، بحث منشور على شبكة النبأ، على الرابط: https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/14747.
عماد، عبد الغني (2012). الثقافة وتكنولوجيا الاتصال: التغيرات والتحولات في عصر العولمة، دار مجد، بيروت-لبنان.
فياض، حسام الدين (2023) في جدلية العلاقة بين الهوية الثقافية واللغة، بحث منشور على موقع ديوان العرب، على الرابط: https://www.diwanalarab.com.
كريبه، كريمة محمد (2013) اللغة والهوية، جامعة سلمان بن عبد العزيز: كلية التربية، قسم اللغة العربية.
مرسي، أحمد (2013) الهوية الثقافية ماهيتها وخصائصها، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، جامعة الكويت المجلد (31).
منصوري، نديم (2014) سوسيولوجيا الإنترنت، منتدى المعارف، بيروت-لبنان.
الودغيري، عبد العلي (2000) اللغة والدين والهوية، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء- المغرب: 67.
تعليقات
إرسال تعليق